مقال حول "المعنى عند لودفيغ
فتجنشتاين"
إعداد : حسن فوراو
أستاذ الفلسفة
المغرب
سياق" إشكالية المعنى"
لقد حاولت الفلسفة التحليلية
الابتعاد عن مجال اللغة الطبيعية من خلال توثيق علاقتها بالرياضيين والمناطقة من
امثال بيانو وفيجيه وراسل...، ذلك رغبة منها في خلق لغة مثالية رمزية خاصة بها
،لغة تخلو من لبس اللغات الطبيعية وغموضها .كما كان الهدف الاساسي للفلسفة
التحليلية هو معالجة اشكالية "المعنى" التي ظلت مستعصية على المناطقة
واللغويين والفلاسفة على حد سواء.
وقد انقسم الفلاسفة والمناطقة في البحث في"
اشكالية المعنى" الى فريقين :
1-
فريق يرى ان الوصول للمعنى يتم عبر خلق لغة مثالية دقيقة، يكون فيها تركيب
اللغة يشبه تركيب الواقع الخارجي مما يتيح الوصول الى معنى ثابت، لهدا ينحصر دور
اللغة في تقرير ورسم الواقع الخارجي.
2-
وفريق اخر يرى في ان المعنى لا يتحدد بشكل ثابت عن طريق علاقة اللغة
بالواقع كما في اللغة المثالية ،بل يتحدد من خلال العودة الى اللغة الطبيعية
بمختلف سياقاتها، وبهذا لم يعد للغة دور التقرير وحسب ،بل لها مجموعة من الوظائف
الاخرى .
يركز هدا البحث على "اشكالية المعنى" من خلال فتجنشتاين ،الذي
تميزت فلسفته بكونها شكلت نقطة تحول حاسم في الفكر الفلسفي المعاصر ،ويرجع ذلك الى
منهجه التحليلي الدي يتناول عبارات اللغة التي تصاغ فيها المشكلات الفلسفية ،ليكشف
أن هذه المشكلات ليست أصلا بمشكلات، وانما تنتج عن سوء استخدام اللغة، كما يحاول
فتجنشتاين البحث في العبارات التي استعملها الفلاسفة ،وتحليلها لبيان معنى
العبارات التي لها معنى والتي لا معنى لها ،او لبيان الصحيح منها والخاطئ بناء على
اتفاقها او اختلافها مع قواعد الاستخدام العادي للغة .
ان محاولتنا استقصاء "إشكالية المعنى" عند فتجنشتاين تضعنا أمام مؤلفين شكلا فلسفتين مختلفين من حيث معالجتهما
لمفهوم "المعنى"، أولها كتاب
"الأبحاث الفلسفية " والثاني كتاب "رسالة منطقية فلسفية " .
لقد تناول فتجنشتاين اشكالية المعنى في كتاب "رسالة منطقية فلسفية
"من خلال مايلي:
أ- تحليل العالم الى وقائع والوقائع الى وقائع
ذرية لا تقبل التحليل رغم تكونها من اشياء .
ب- تحليل اللغة الى قضايا والقضايا الى قضايا
ذرية او اولية لا تقبل التحليل رغم تكونها من اسماء.
ليتوصل الى ان هناك شيء مشترك بين بنية اللغة وبنية العالم(اوبين بنية
القضية وبنية الواقعة)،لهذا السبب تستوجب اللغة المثالية ان يكون هناك اسم واحد
لكل شيء بسيط، بحيث لا يشير نفس الاسم لشيئين بسيطين مختلفين .
وهنا تتضح ضرورة الوصول الى معنى ثابت وذلك من خلال اعتبار اللغة رسما
وصورة للعالم الخارجي .
ج- يحاول فتجنشتاين تحليل قضايا المنطق والرياضيات ومقارنتها بقضايا العلوم
الاخرى ،ليصل الى نتيجة مفادها ان معنى القضايا الرياضية والمنطقية يتحدد من خلال
اتساق عناصرها، اي ان صدقها يكون يقينيا وقبليا ،اما قضايا العلوم الاخرى ،لا
يتحدد معناها بشكل قبلي بل بمقارنتها بالعالم الخارجي.
إلا ان هذه الرؤية المثالية للغة تعترضها انتقادات :
1- انتقادات داخلية أي من داخل كتابه
"رسالة منطقية فلسفية" أي أن فتجنشتاين لم يلتزم بالدقة في الوصول
الى المعنى ،بل نراه يستخدم مجموعة من
المفردات للتدليل على شيء واحد ،كما يتجه فتجنشتاين منحا مغايرا لما يدعو اليه في مسألة استبعاد الفلسفة واعتبارها "بلا
معنى" ،فهو في المقابل يكتب هذا الكتاب " الرسالة "ليعبر عن قضايا
فلسفية وليقدم حلولا لها .كما يختتم" رسالته" بالدعوى الى التخلي عما
جاء فيها واعتبار أن مضمون "الرسالة" هو وسيلة لبلوغ الهدف وليس غاية في
حد ذاته.
2- انتقادات خارجية موجهة من قبل فلاسفة مهتمين
بمبحث فلسفة اللغة ،وخاصة اشكالية المعنى، كالانتقادات الموجهة للذرية المنطقية
باعتبارها نظرية ميتافيزيقية ،لأنها غير مبررة بما فيه الكفاية من طرف فتجنشتاين
نفسه .
أما بالنسبة لكتاب "الأبحاث الفلسفية "الذي يشكل فلسفة فتجنشتاين الثانية، فقد
تناول فيه ما يلي:
اولا: التركيز عل أهمية "اللغة الطبيعية"
في كتابه "الابحاث المنطقية" على حساب "اللغة المثالية"
السابقة في "الرسالة" .
ثانيا: التركيز على معنى الاسماء من خلال السياقات
المختلفة التي توفرها اللغة الطبيعية .
ثالثا: التركيز عل اهم عنصر يميز الفلسفة الثانية
لفتجنشتاين وهو ما يسمى "بألعاب اللغة" ،فاللغة حسب فتجنشتاين اشبه ما
تكون باللعبة من حيث انه لابد من مراعاة مجموعة من القواعد ،وهذه القواعد تتحدد
بمختلف الاستعمالات والسياقات ،وهنا لامجال للحديث عن معنى ثابت بل يصبح المعنى
هنا سياقي يختلف باختلاف العاب اللغة .
كما تناول فتجنشتاين في كتاب الأبحاث الفلسفية جانب تطبيق "اشكالية المعنى" على كل
الالفاظ اللغوية المعبرة عن الحالات الغير مرئية مثل:
1: الميتافيزيقا: فقضايا الميتافيزيقا خالية
من" المعنى" لأنها ناتجة عن سوء استخدام اللغة .
2: الحالات النفسية مثل الالم، الخوف:
فالألفاظ التي تدل على الطابع النفسي يتحدد معناها من ملاحظات الاستخدامات اللغوية
المختلفة وملاحظة للسلوكات الخارجية المرافقة لها .
3: العمليات العقلية مثل الفهم والتذكر والتفكير
:فيجب ان تترجم الى افعال واقوال سلوكية حتى يكون لها معنى .
4: علاقة اللغة بالفكر :اد لا يمكن الحديث عن
تفكير بدون لغة ،،اد سيصبح الفكر واللغة
بلا معنى.
ليصل الى ان كل هده الحالات الباطنية يعبر عنها بمجموعة من السلوكات الخارجية ،بحيث يصبح للألفاظ المعبرة عنها معنى.
ويمكن القول ان فلسفة فتجنشتاين الثانية
تعرضت لمجموعة من الملاحظات والانتقادات ، ورغم كل الانتقادات ورغم ذلك فقد
حققت هدفها في اثارة مجموعة من التطورات اللاحقة
اد شكلت ابحاثه في المعنى نقطة انطلاق لاتجاه فلسفي جديد هو فلسفة اللغة ،
التي رسمت مسارا جديدا للأبحاث الفلسفية وهي التطورات التي قادها كل من بول كرايس
وجيل اوستين وهذا ما ختم به الفصل الثاني.
وخلاصة القول ان" اشكالية المعنى" والدلالة لا يزال البحث فيها
مستمرا من طرف الفلاسفة والمناطقة وغيرهم من المهتمين بمجال اللغة ،اد ستدخل
مجموعة من العلوم الى مجال البحث في اللغة خاصة الدراسات النفسية.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المرجع المعتمدة :
إسلام. عزمي (فيتجنشتاين)، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف/ مصر، بدون تاريخ، +
فيتجنشتاين لودفيغ: رسالة منطقية فلسفية ترجمة ذ. عزي إسلام، +
فيتجنشتاين لودفيغ: رسالة منطقية فلسفية ترجمة ذ. عزي إسلام، +
Les investigations
philosophiques Ludwig Wittgenstein+



0 التعليقات:
إرسال تعليق